فصل: الإعراب:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.[سورة الحجر: الآيات 45- 50].

{إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (45) ادْخُلُوها بِسَلامٍ آمِنِينَ (46) وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوانًا عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ (47) لا يَمَسُّهُمْ فِيها نَصَبٌ وَما هُمْ مِنْها بِمُخْرَجِينَ (48) نَبِّئْ عِبادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49) وَأَنَّ عَذابِي هُوَ الْعَذابُ الْأَلِيمُ (50)}.

.اللغة:

{غِلٍّ}: الغل بكسر الغين الحقد الكامن في القلب من انغل في جوفه وتغلغل ويطلق على الشحناء والعداوة والبغضاء والحقد والحسد وتقول: جعل اللّه في كبده غلة وفي صدره غلّا وفي ماله غلو لا وفي رقبته غلا فالغل بالضم القيد وهي مادة تدل على التغلغل مطابقة للفظها يقال وبي وجد تغلغل في الحشا وأبلغ فلانا مغلغلة وهي الرسالة الواردة من بلد بعيد وغلغلت اليه رسالة قال الأخطل:
لأغلغلن إلى كريم مدحة ** ولأثنينّ بنائل وفعال

.الإعراب:

{إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ} إن واسمها وفي جنات خبرها وعيون عطف على جنات. {ادْخُلُوها بِسَلامٍ آمِنِينَ} الجملة مقول قول محذوف أي يقال لهم وادخلوها فعل أمر وفاعل ومفعول به وبسلام في محل نصب على الحال من الواو في ادخلوها أي سالمين من كل أذى أو مسلّما عليكم وآمنين حال ثانية من الواو في ادخلوها. {وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوانًا عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ} ونزعنا فعل وفاعل وما مفعول به وفي صدورهم صلة ومن غل حال بيان للذي استقر في صدورهم وإخوانا حال ثانية من هم وعلى سرر جار ومجرور متعلقان بمتقابلين ومتقابلين حال ثالثة من ضمير صدورهم وجاز ذلك لأن المضاف جزء من المضاف اليه والعامل فيها معنى الإلصاق وقيل متقابلين صفة لإخوانا وليس ببعيد والأول أولى أي لا ينظر بعضهم قفا بعض لدوران الأسرة بهم وهي صفة الجالسين على موائد الشراب والولائم لأن ذلك أبلغ في المؤانسة والإكرام. {لا يَمَسُّهُمْ فِيها نَصَبٌ وَما هُمْ مِنْها بِمُخْرَجِينَ} يجوز أن تكون هذه الجملة مستأنفة أو حالا من الضمير في متقابلين ولا نافية ويمسهم فعل مضارع ومفعول به مقدم ونصب فاعل مؤخر وما هم الواو عاطفة وما نافية حجازية وهم اسمها ومنها متعلقان بمخرجين والباء حرف جر زائد ومخرجين مجرور لفظا منصوب محلا لأنه خبر ما. {نَبِّئْ عِبادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} نبىء فعل أمر والفاعل مستتر وعبادي مفعول به وأن وما في حيزها سدت مسد مفاعيل نبىء وأن واسمها وأنا ضمير فصل أو مبتدأ والغفور خبر أن أو خبر أنا والجملة خبر أن والرحيم خبر ثان. {وَأَنَّ عَذابِي هُوَ الْعَذابُ الْأَلِيمُ} عطف على سابقتها والإعراب واحد ولكن الأليم صفة للعذاب.

.الفوائد:

قوله: {نبىء عبادي اني أنا الغفور الرحيم} هذا مما ورد منظوما في القرآن ولكنه ليس شعرا لأنه ليس مقصودا وقد تقدم القول في بعض الآيات التي وردت موزونة وهذه الآية تؤلف بيتا كاملا من البحر المجتث ولكننا لم نذكر هناك معاني أسماء الأبحر وفيما يلي بيان بالأسماء ومعانيها:
ذكر الزجاج أن ابن دريد أخبره عن أبي حاتم عن الأخفش قال:
سألت الخليل: لم سميت الطويل طويلا؟ قال لأنه طال بتمام أجزائه قلت: فالبسيط؟ قال: لأنه انبسط عن مدى الطويل وجاء وسطه فعلن وآخره فعلن، قلت: فالمديد؟ قال: لتمدد سباعيه حول حماسيه قلت: فالوافر؟ قال: لوفور أجزائه وتدا بوتد قلت: فالكامل؟
قال: لأن فيه ثلاثين حركة لم تجتمع في غيره من الشعر قلت: فالهزج؟
قال: لأنه يضطرب شبه بهزج الصوت قلت: فالرجز؟ قال: لاضطرابه كاضطراب قوائم الناقة عند القيام قلت: فالرمل؟ قال: لأنه برمل الحصير لضم بعضه إلى بعض قلت: فالسريع؟ قال: لأنه يسرع على اللسان، قلت: فالمنسرح؟ قال: لانسراحه وسهولته، قلت: فالخفيف؟
قال: لأنه أخف السباعيات قلت: فالمقتضب؟ قال: لأنه اقتضب من السريع، قلت: فالمضارع؟ قال: لأنه ضارع المقتضب، قلت: فالمجتثّ؟ قال: لأنه اجتث أي قطع من طويل دائرته، قلت: فالمتقارب؟ قال: لتقارب أجزائه لأنها خماسية كلها يشبه بعضها بعضا.

.[سورة الحجر: الآيات 51- 64].

{وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ (51) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلامًا قالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ (52) قالُوا لا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ (53) قالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ (54) قالُوا بَشَّرْناكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُنْ مِنَ الْقانِطِينَ (55) قالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّالُّونَ (56) قالَ فَما خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ (57) قالُوا إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ (58) إِلاَّ آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ (59) إِلاَّ امْرَأَتَهُ قَدَّرْنا إِنَّها لَمِنَ الْغابِرِينَ (60) فَلَمَّا جاءَ آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ (61) قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (62) قالُوا بَلْ جِئْناكَ بِما كانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ (63) وَأَتَيْناكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّا لَصادِقُونَ (64)}

.الإعراب:

{وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ} عطف على نبىء عبادي ليعتبروا بما حل بقوم لوط من عذاب ونبئهم فعل أمر وفاعل مستتر ومفعول به وعن ضيف ابراهيم متعلقان بنبئهم وأصل الضيف مصدر ولذلك يستوي فيه الواحد والجمع على أنه قد يجمع فيقال أضياف وضيوف وضيفان.
{إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلامًا قالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ} الظرف متعلق بمحذوف تقديره اذكر وجملة: {دخلوا} مضاف إليها وعليه متعلقان بدخلوا فقالوا عطف على دخلوا وسلاما مفعول مطلق لفعل محذوف أي نسلم سلاما أو مفعول به على المعنى أي اذكروا سلاما وقال فعل ماض وجملة: {إنا} إلخ مقول القول وإن واسمها ومنكم متعلقان بوجلون ووجلون خبر إنا أي خائفون إما لامتناعهم من الأكل واما لأنهم دخلوا بغير إذن.
{قالُوا لا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ} لا ناهية وتوجل مضارع مجزوم بلا الناهية وإن واسمها وجملة: {نبشرك} خبرها وبغلام متعلقان بنبشرك وعليم صفة والجملة تعليلية لعدم الوجل. {قالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ} الهمزة للاستفهام التعجبي وبشرتموني فعل وفاعل ومفعول به وعلى حرف جر وان وما في حيزها في محل جر بعلى والجار والمجرور في موضع نصب على الحال أي حالة كونه قد مسني والكبر فاعل مسني، فبم الباء حرف جر وما اسم استفهام حذفت ألفها لدخول حرف الجر والجار والمجرور متعلقان بتبشرون.
{قالُوا بَشَّرْناكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُنْ مِنَ الْقانِطِينَ} جملة: {بشرناك} مقول القول وهو فعل ماض وفاعل ومفعول به وبالحق متعلقان ببشرناك والفاء حرف عطف ولا ناهية وتكن مضارع مجزوم بلا الناهية واسم تكن مستتر تقديره أنت ومن القانطين خبرها. {قالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ} الواو عاطفة ومن اسم استفهام معناه النفي في محل رفع مبتدأ وجملة: {يقنط} خبره ومن رحمة ربه متعلقان بيقنط وإلا أداة حصر والضالون بدل من الضمير المستتر في يقنط بدل بعض من كل ولم يؤت معه بضمير لقوة تعلق المستثنى بالمستثنى منه. {قالَ فَما خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ} الفاء عاطفة لتتساوق المحاورة وما اسم استفهام مبتدأ وخطبكم خبر أي ما شأنكم وأيها منادى نكرة مقصودة وحرف النداء محذوف والهاء للتنبيه والمرسلون بدل أو نعت لأيها. {قالُوا إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ}
إن واسمها وجملة: {أرسلنا} خبرها ونا نائب فاعل أرسل والى قوم متعلقان بأرسلنا ومجرمين صفة. {إِلَّا آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ} فيه وجهان أحدهما أنه مستثنى متصل على أنه مستثنى من الضمير المستكن في مجرمين والمعنى أنهم أجرموا كلهم إلا آل لوط فانهم لم يجرموا وجملة: {إنا لمنجوهم} على هذا استئنافية مسوقة للإخبار بنجاتهم لأنهم لم يجرموا وثانيهما انه مستثنى منقطع لأن آل لوط لم يندرجوا في المجرمين البتة وعلى كل حال محله النصب ويبدو أن جعله منقطعا أولى وأمكن وذلك ان في استثنائهم من الضمير العائد على قوم مجرمين بعدا من حيث ان موقع الاستثناء إخراج ما لولاه لدخل المستثنى في حكم الأول وهذا الدخول متعذر من التنكير ولذلك قلما تجد النكرة يستثنى منها إلا في سياق نفي لأنها حينئذ أعم فيتحقق الدخول لولا الاستثناء ومن ثم لم يحسن: رأيت قوما إلا زيدا، وحسن: ما رأيت أحدا إلا زيدا، وإن واسمها واللام المزحلقة ومنجوهم خبر إنا وأجمعين تأكيد للضمير، وعلى هذا تكون جملة: {إنا لمنجوهم} متصلة بآل لوط كأنها خبر لكن المقدرة أي لكن آل لوط منجون. {إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنا إِنَّها لَمِنَ الْغابِرِينَ} اختلف المعربون في هذا الاستثناء وسننقل ما قاله الزمخشري وأبو البقاء.
قال الزمخشري:
فإن قلت فقوله: {إلا امرأته} ممّ استثني وهل هو استثناء من استثناء؟
قلت استثنى من الضمير المجرور في قوله لمنجوهم وليس من الاستثناء من الاستثناء في شيء لأن الاستثناء من الاستثناء إنما يكون فيما اتحد الحكم فيه وان يقال: أهلكناهم إلا آل لوط إلا امرأته كما اتحد الحكم في قول المطلّق أنت طالق ثلاثا إلا اثنتين إلا واحدة وفي قول المقرّ: لفلان عليّ عشرة دراهم إلا ثلاثة إلا درهما فأما في الآية فقد اختلف الحكمان لأن إلا آل لوط متعلق بأرسلنا أو بمجرمين وإلا امرأته قد تعلق بمنجوهم فأنى يكون استثناء من استثناء؟.
وقال أبو البقاء: قوله تعالى: {إلا امرأته} فيه وجهان أحدهما هو مستثنى من آل لوط والاستثناء إذا جاء بعد الاستثناء كان الاستثناء الثاني مضافا إلى المبتدأ كقولك له عندي عشرة إلا أربعة لا درهما فإن الدرهم يستثنى من الأربعة فهو مضاف إلى العشرة فكأنك قلت أحد عشر إلا أربعة أو عشرة إلا ثلاثة والوجه الثاني أن يكون مستثنى من ضمير المفعول في منجوهم وسيأتي في باب الفوائد مزيد.
وقدرنا فعل وفاعل وقد ضمن معنى العلم فلذلك علق باللام فكسرت إن وإنما أسند الملائكة التقدير لأنفسهم لما لهم من المكانة والقربى من اللّه كما تقول خاصة الملك نحن أمرنا ونحن رسمنا وان كانوا قد أمروا به ورسموه بأمر الملك، وإن واسمها واللام المزحلقة ومن الغابرين خبر ان.
{فَلَمَّا جاءَ آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ} الفاء عاطفة على محذوف أي فخرجوا من عنده وسافروا مع قريته إلى قرية قوم لوط ولما حينية أو رابطة وجاء فعل ماض وآل لوط مفعول به مقدم والمرسلون فاعل مؤخر. {قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ} الجملة لا محل لها لأنها جواب شرط غير جازم وإن واسمها وخبرها ومنكرون صفة لقوم. {قالُوا بَلْ جِئْناكَ بِما كانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ} بل حرف إضراب وعطف وجئناك فعل وفاعل ومفعول به وبما متعلقان بجئناك وجملة: {كانوا} صلة وفيه متعلقان بيمترون وجملة: {يمترون} خبر كانوا.
{وَأَتَيْناكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّا لَصادِقُونَ} الواو عاطفة {وأتيناك} فعل وفاعل ومفعول به وبالحق متعلقان بمحذوف حال أي ملتبسين أو ملتبسا أنت لا بصارك له ويجوز تعليقه بآتيناك وإن واسمها واللام المزحلقة وصادقون خبر إن.

.الفوائد:

وقفنا على مناظرة جرت بين الكسائي وأبي يوسف بصدد قوله تعالى: {إلا امرأته} وحكم {إلا} إذا تكررت فقد سأل الكسائي أبا يوسف عمن قال: له عليّ مائة درهم إلا عشرة إلا اثنين فقال:
يلزمه ثمانية وثمانون فقال الكسائي بل يلزمه اثنان وتسعون واستدل بالآية فلم يخالفه وهذا يؤيد رأي أبي البقاء ويخطىء قول الزمخشري وقال ابن هشام: ونظيره قوله تعالى: {إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين إلا آل لوط إنا لمنجوهم أجمعين إلا امرأته} فالمرأة مستثناة من الأول والآل مستثنون من القوم المجرمين وهو منقطع والثاني متصل كذا ظهر لي وبعد فلا يمتنع عندي في مثل عشرة إلا أربعة الا اثنين أن يستثنى الاثنان من الأصل لأن الحمل على الأقرب أرجح لا متعين وكفى بباب التنازع شاهدا وإن كلّا من الفريقين يجيز أعمال كل من العاملين إلا ما استثني لعارض والعارض يوجد هنا أيضا نحو عشرة إلا ثلاثة إلا أربعة فإن قلت: ما المانع من أن يكون في الآية الاستثناء الثاني من القوم المجرمين ويرجحه الاتصال على هذا أيضا لأنها من الآل ومن المجرمين قلت: متى قيل هذا فقد أبعد القائل وأحال أما الأول فواضح وأما الثاني فلأن معنى أرسلنا بالعذاب فلا يصح إخراجها من المعذبين فان قلت: فما المانع من أن يستثنى من هم في {إنا لمنجوهم} وحينئذ تكون معذبة ويكون حملا على أقرب ما ذكرت وتخرج الآية عن الاستثناء من الاستثناء قلت هو قول الزمخشري وليس عندي كغالب أقواله الأعرابي ة لأن {إنا لمنجوهم أجمعين} إنما ذكرت توكيدا لا تأسيسا لاستفادة معناها من الإخراج من حكم المعذبين.
وبعد نقل ما تقدم عثرت على اعتراض جميل وهو أنه تقدم أن المراد بالاجرام ذلك الفعل الشنيع فكيف يقولون إن المرأة من الآل ومن المجرمين وذلك الفعل لا يتصور منها وعلى هذا يطيح الرأيان جميعا ويمكن أن يجاب بأن الدلالة على الشيء كفعله أو السكوت على الاجرام والرضا به إجرام وانما أطلنا الكلام لأن هذه الآية مما كثر فيه الكلام وقل من أصاب الغرض من الأئمة الاعلام وسئل عنها الجلال السيوطي في الفتاوى فما أتى بالمرام واللّه أعلم.
وقد اضطرب أبو حيان في كلامه على الرأيين والموازنة بينهما فقال:
ولما استسلف الزمخشري أن {إلا امرأته} مستثنى من الضمير المجرور في {لمنجوهم} لم يجوز أن يكون استثناء من استثناء ومن قال انه استثناء من استثناء فيمكن تصحيح كلامه بأحد وجهين أحدهما انه لما كان الضمير في {لمنجوهم} عائدا على {آل لوط} وقد استثنى منه المرأة صار كأنّه مستثنى من {آل لوط} لأن المضمر هو الظاهر في المعنى والوجه الآخر أن قوله: {إلا آل لوط} لمّا حكم عليهم بغير الحكم على قوم مجرمين اقتضى ذلك نجاتهم فجاء قوله: {إنا لمنجوهم أجمعين} تأكيدا لمعنى الاستثناء إذ المعنى إلا آل لوط فلم يرسل إليهم بالعذاب فصار نظير قولك قام القوم إلا زيدا فانه لم يقم أو إلا زيدا لم يقم فهذه الجملة تأكيد لما تضمنه الاستثناء من الحكم على ما بعد إلا بضد الحكم السابق على المستثنى منه فإلا امرأته على هذا التقرير الذي قررناه استثناء من {آل لوط} لأن الاستثناء مما جيء به للتأسيس أولى مما جيء به للتأكيد.

.[سورة الحجر: الآيات 65- 77].

{فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبارَهُمْ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ (65) وَقَضَيْنا إِلَيْهِ ذلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دابِرَ هؤُلاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ (66) وَجاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ (67) قالَ إِنَّ هؤُلاءِ ضَيْفِي فَلا تَفْضَحُونِ (68) وَاتَّقُوا اللَّهَ وَلا تُخْزُونِ (69) قالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعالَمِينَ (70) قالَ هؤُلاءِ بَناتِي إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ (71) لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ (72) فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ (73) فَجَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ (74) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ (75) وَإِنَّها لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ (76) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ (77)}.

.اللغة:

{فَأَسْرِ}: بقطع الهمزة من أسرى وقرئ بوصلها من سرى يقال سرى بالليل وأسرى وسريت به وأسريت به وطال بهم السّرى وطالت يكون مصدرا كالهدى وجمع سرية يقال: سرينا سرية من الليل وسرية كالغرفة والغرفة وأنشد أبو زيد:
وأرفع صدر العنس وهي شملّة ** إذا ما السرى مالت بلوث العمائم

{يَعْمَهُونَ} يتحيرون وقد تقدم ذكره.
{سِجِّيلٍ} طين طبخ بالنار.
{لِلْمُتَوَسِّمِينَ} للمتفرسين والمعتبرين المتأملين والتوسم تفعل من الوسم والتوسم أصله التثبت والتفكر مأخوذ من الوسم وهو التأثير بحديدة في جلد البقر أو غيره، وقال ثعلب: الواسم الناظر إليك من فرقك إلى قدمك.
القطع تقدم تفسيره ولا يكون إلا في آخر الليل، قال:
افتحي الباب وانظري في النجوم ** كم علينا من قطع ليل بهيم

.الإعراب:

{فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ} الفاء الفصيحة وأسر فعل أمر وفاعله مستتر تقديره أنت وبأهلك حال وبقطع متعلقان بأسر ومن الليل صفة لقطع. {وَاتَّبِعْ أَدْبارَهُمْ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ} واتبع عطف على فأسر وأدبارهم مفعول به والواو حرف عطف ولا ناهية ويلتفت مجزوم بلا ومنكم حال لأنه كان في الأصل صفة وأحد فاعل وامضوا عطف أيضا وحيث ظرف مبهم في محل نصب مفعول لأمضوا ولإبهامه تعدى إليه الفعل من غير واسطة وجملة تؤمرون مضاف إليها الظرف. {وَقَضَيْنا إِلَيْهِ ذلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دابِرَ هؤُلاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ} وقضينا فعل وفاعل واليه جار ومجرور متعلقان بقفينا لأنها تضمنت معنى أوحينا وذلك مفعول ففينا والأمر بدل من اسم الاشارة وأن وما في حيزها مصدر مؤول بدل من ذلك الأمر أو خبر لمبتدأ محذوف وفي إبهامه وتفسيره تفخيم للأمر وتعظيم لشأنه وإن واسمها و{مقطوع} خبرها و{مصبحين} حال من الضمير المستقر في مقطوع وجمعه على المعنى فيكون معنى مقطوع مقطوعين. {وَجاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ} الواو عاطفة وجاء أهل المدينة فعل وفاعل وجملة يستبشرون حال. {قالَ إِنَّ هؤُلاءِ ضَيْفِي فَلا تَفْضَحُونِ} إن واسمها وخبرها والفاء الفصيحة ولا ناهية و{تفضحوني} مجزوم بلا والواو فاعل والنون نون الوقاية والياء المحذوفة لمراعاة الفواصل مفعول به. {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَلا تُخْزُونِ} عطف على ما تقدم وقد تقدم إعراب نظيرها. {قالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعالَمِينَ} الهمزة للاستفهام والواو عاطفة على محذوف ولم حرف نفي وقلب وجزم وننهك فعل مضارع مجزوم بلم والكاف مفعول به وعن العالمين متعلقان بننهك وأصح الأقوال في نهيه عن العالمين هو نهيه عن أن يجير أحدا منهم ويمنع بينهم وبين قومه. {قالَ هؤُلاءِ بَناتِي إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ} هؤلاء بناتل صفة لحجارة. {إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ} إن حرف مشبه بالفعل وفي ذلك خبرها المقدم واللام المزحلقة وآيات اسمها وللمتوسمين صفة لآيات أو تتعلق بنفس الآيات لأنها بمعنى العلامات. {وَإِنَّها لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ} إن واسمها والضمير يعود للمدينة وهي سدوم والمراد آثارها واللام المزحلقة وبسبيل خبرها ومقيم صفة أي ثابت مسلوك يعرفه الناس وفيه تنبيه لقريش انكم لتمرون عليها كل يوم. {إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ} تقدم اعراب نظيرتها.